هكذا تحايلت "المافيا" الايطالية لتبييض الأموال ببناء مساكن للجزائريين !

تكشف وثائق أن "المافيا" الايطالية الكالابرية "لاندرانغيتا" استثمرت في الجزائر عام 2013 في مشروع عقاري لبناء سكنات، حيث أنجزت مشروعا سكنيا بـ1182 شقة في الجزائر، بأموال وأصول وضمانات بنكية تعود للعصابة وأعضاء بارزين فيها، وباستعارة اسم تجاري لإحدى شركات الإنجاز.

 وحسب الملف القضائي الذي حصلت عليه "الشروق"، ويضم 480 صفحة وتفاصيل بعمليات التصنت على المكالمات والتفاصيل، ومذكرة التوقيف التحفظي بحق 16 فردا من عصابة مافيا لاندرانغيتا، والتي ثبت حسب الملف الذي بحوزتنا أن نشاطها لم يعد يقتصر على تزوير الدينار الجزائري أو المخدرات، وانتقل نشاطها إلى الجزائر واستثمرت في مشروع عقاري لبناء 1182 شقة، بأموال وسخة لذات العصابة، بعد أن خصصت حسابا بنكيا بقيمة 200 مليون أورو.

توقيف 16 عضوا في العصابة

وحسب مذكرة التوقيف الصادرة في 30 ديسمبر 2015، عن محكمة مدينة كاتانزارو، مكتب قاضي التحقيقات الأولية وتحوز "الشروق" نسخة منها، فإنه تم تفكيك عصابة لمافيا لاندرانغيتا وتوقيف 16 من أعضائها، في مقاطعة كالابريا جنوب البلاد والتي كان من ضمن ما تورطت فيه، غسيل أموال في الجزائر من باب مشروع عقاري سكني.

كما تضمن الملف القضائي عرضا لعملية تنصت على مكالمات أفراد عصابة المافيا من قبل الشرطة الإيطالية في فيفري 2013، تناولت الحديث عن مشروعهم بالجزائر والأموال المرصودة وتواصلهم مع البنك الجزائري والتي سننشر فحواها كما وردت في الملف القضائي الذي بحوزتنا.

وفي التفاصيل، ورد في الصفحة 131 من الملف القضائي للقضية، أنه وعلى وجه الخصوص تمثلت أنشطة عصابة لاندرانغيتا في استبدال أصول مالية بأخرى أجنبية، والحصول على ضمانات بنكية منقولة من حساب أحد القادة لفائدة الشركة المنجزة، لمشروع سكني في الجزائر.

وتشير مذكرة التوقيف إلى أن أصل العملية هي وضع حساب بنكي بقيمة 200 مليون أورو، أي  أكثر من 2500 مليار سنتيم، تعود لشخص من العصابة يدعى أنطونيو جيوسيبي مانكوزو، تحت تصرف مؤسسة تابعة للعصابة، وبواسطة هذا الحساب تم تقديم الضمان البنكي للمشروع، حيث كانت قيمة الضمان البنكي 5 ملايين أورو، أي ما يفوق 50 مليار سنتيم بالعملة الوطنية.

وأكدت مذكرة التوقيف، أن وضع الحساب البنكي تحت تصرف العصابة ، كان بهدف الفوز بصفقة تقدر بملايين الأورو (المذكرة لم تشر إلى القيمة المالية للمشروع)، وهي بناء مشروع حي سكني.

 

الأمن الإيطالي يفضح الاحتيال

وأفضت تحقيقات الأمن الإيطالي حسب ما ورد في الصفحة 131 من الملف إلى ما يلي: قامت مؤسسة "إيديل سيستام EdilSystem  " المملوكة من طرف أحد أعضاء العصابة يدعى جيوفاني جينتيلي، بإعارة تسميتها التجارية للمدعو أنطونيو جيوسيبي مانكوزو صاحب الحساب البنكي وكذلك المدعو سالفاتوري سكاربينو، من أجل إقامة مشروع استثماري لبناء 1182 شقة سكنية بالجزائر، والمشاركة في مشروع بهذا الحجم يتطلب ضمانا بنكيا للشركة بـ5 ملايين أورو.

واتضح حسب المحققين انه ومن أجل حصول المؤسسة المذكورة على الضمانات البنكية، استعمل حساب بنكي يعود للمدعو مانكوزو وهو أحد أفراد العصابة والذي يتوفر على قيمة مالية بأكثر من 200 مليون أورو، حتى تتمكن من الاستثمار في هذا المشروع بالجزائر.

واستعان المحققون بمكالمة تم التصنت عليها بتاريخ 21 فيفري 2013 على الساعة الخامسة مساء و22 دقيقة، بين صاحب الحساب البنكي المدعو مانكوزو وأحد المحامين المنتمين للشركة يدعى كوردو روكا، حيث يبدي فيها المدعو مانكوزو قلقه من عدم وصول رد البنك الجزائري الذي لم يرد اسمه، على الضمان البنكي الذي تم إرساله، وسأله المحامي قائلا "ألم يقوموا بعملية الاستبدال لحد الآن... من المفروض أن يجيبنا البنك عن طريق رسالة الكترونية جديدة"، ويضيف "إذا لم يرد علينا البنك، ليس باستطاعتنا الحصول على البطاقة".

 

مكالمات هاتفية تفضح المستور         

يواصل المتحدثان المكالمة ويقول له المحامي "نحن ننتظر ولكنهم يجب عليهم أن يردوا علينا" أي البنك الجزائري، ليرد عليه مانكوزو بالقول "البنك ـ أي الجزائري - يجب أن يرد على البنك الذي به حسابي أنا... وعندما يأتي الرد سيأخذون ويعملون ما يجب عمله"، ويعقب عليه المحامي بالقول "إذن هو إهمال من طرف البنك الجزائري أليس كذلك"، ويجيبه مانكوزو بالقول "لا، إنها أمور بنكية أنت تعرف ذلك".

ويتضمن الملف القضائي مكالمة هاتفية لرئيس العصابة، نيكولينو غراندي أراركي، مع محامي الشركة المعنية بمشروع الجزائر كوردو روكا، حيث فتحت هذه المكالمة الطريق أمام المحققين للتأكد من ضلوعها المباشر في هذه العملية الاستثمارية في المشروع السكني بالجزائر، والتي تتحدث عن "رفع اليد من طرف البنك".

وعن فحوى المكالمة التي وردت في الصفحة 135 من الملف القضائي، بتاريخ 21 مارس 2013، يقول فيها المحامي لرئيس العصابة "لقد اتصل بي انطونيو يلزمه بعض الوثائق"، يجبيه الزعيم بالقول "أنطونيو.. من انطونيو"، ليرد عليه المحامي روكا بالقول "أنطونيو ذاك المكلف بالجزائر... تلزمه بعض الوثائق الخاصة برفع اليد من طرف البنك، سأذهب إلى المكتب الآن".

     وخلص المحققون بعد تحريات وبعد الحصول على الوثائق البنكية التي تمت الإشارة، إليها إلى أن العصابة نقلت نشاطها إلى الجزائر عبر بوابة مشروع عقاري، في محاولة لغسيل الأموال.

 

قصة المافيا الإيطالية مع الجزائر

 تبرز هذه القضية لاستثمار المافيا الإيطالية في الجزائر كواحدة من أبرز 3 قضايا كانت فيها علاقات لهذه العصابات الإجرامية مع الجزائر، حيث سبقتها قضيتان تتعلقان بإقامة مطابع سرية لتزوير الدينار بمنطقة جوليانو قرب نابولي، لكن اللافت في هذه القضية أنها ولأول مرة تقوم عصابة من المافيا الإيطالية بنقل نشاطها بشكل مباشر إلى الجزائر، خصوصا أن مجال نشاطها خارج ايطاليا كان دوما في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.

واكتشف الأمن الايطالي مطبعة سرية لتزوير العملة الوطنية الجزائرية "الدينار" بمنطقة جيوليانو قرب مدينة نابولي في جانفي 2009، حيث عثر على نحو 350 ألف ورقة من فئة ألف دينار مزورة، وتم توقيف 22 شخصا على علاقة بالقضية كلهم من جنسية ايطالية.

وفي جويلية 2010 اكتشفت الشرطة الإيطالية مطبعة سرية ثانية لتزوير الدينار الجزائري بذات المنطقة، حيث عثر على نفس المبلغ تقريبا 345 ألف ورقة من 1000 دينار.