قرُب الرحيل وإذ بالقلوب تنفطر حزنا على ضياع أي فرصة لم تستغلها لتقربنا من الجنة وتباعدنا عن النار، فما زالت الجوارح بعد تستعد لتنقية النفوس من المعاصي والآثام التي صبغتها بالران، ولكن ما زالت الفرصة سانحة لنيل النفحات فيما تبقى من العشر الأهم من رمضان التي يمنحها الله عز وجل للعبد المؤمن المحب لربه والذي يخشى عقابه من تتابع الذنب تلو الذنب.
فما زالت الدعوة متاحة للجميع.. فعلينا أن نسعى جاهدين في هذه الأيام إلى الوصول لدرجة الإيمان العالية، ولنستعين في ذلك بعد الله بالصحبة الصالحة التي تشد من أزرنا وتزيد من هِمّتنا وتسمو بأخلاقنا وتصل بقلوبنا إلى التمتع بلذة العبادة، ويا له من شعور لا يضاهيه أي شعور آخر من ملذات الدنيا.
إنه شعور ممزوج براحة النّفس، مع سعادة القلب وانشراح الصدر وشدة الارتياح أثناء العبادة، والتمني بأن يقبض الله روح العبد الخاضع المتذلل له وحده وهو على هذه الحالة الإيمانية الرائعة التي لا يشعر بها باستمرار، ويسعى جاهدا لنيلها دائما، فتكرار هذه الحالة والشعور بها يتفاوت من شخص لآخر، بل في الشخص نفسه من حالة إلى حالة نظرا لقوة الإيمان وضعفه.
نصارع الذنوب في الحياة الدنيا كما يصارع الغريق الأمواج الهالكة التي تودي بحياته، فالذنوب في القلب تضعفه وتهلكه، فلا يزال عليلا مضطربا إلى أن يجد ضالته المنشودة التي تنقذه من عثرته، وتخرجه من ظلمة المعاصي إلى نور الطاعة وحياة القلوب العامرة بذكر الله، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف والمنكر".
فقد سئل بلال رضي الله عنه عن سبب صبره على الإيمان مع شدة تعذيبه وطرحه في رمضاء مكة الحارة فقال قولته المشهورة: "مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان".
ويقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله".
وبعد أن أوشك رمضان أن ينقضي علينا جميعا محاسبة النفس ومكاشفتها وسؤالها: هل شعرت قلوبنا بلذة العبادة والأنس بالله؟ وهل ذقنا حلاوة الإيمان وانتظار العبادة تلو العبادة، والفرح بالطاعة، والحسرة والانكسار من شؤم المعصية؟ فمن كان رده بالإيجاب فقد نجا، أما من كان حاله غير ذلك فقد حرم الخير الكثير، والمحروم من حرم الطاعة بسبب معصيته وليحاول إدراك ما فات.
وليكن هدفنا في هذه المرحلة وبعد رمضان قول الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]، ولنبتعد عن صفوف من قال فيهم الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124].
كلمات دلالية :
شهر رمضان