عاد الحديث في ولايات الجنوب هذه الأيام، مع حدوث "واقعة حفرة بن عكنون"، عن الحفرة العملاقة في حوض بركاوي بولاية ورقلة، التي ظهرت منذ ثلاثين سنة، والتي تحذر تقارير عديدة من إمكانية تسببها في كارثة عظمى على عاصمة الواحات، كما حذرت تقارير من خطورة تسرب النفط إلى مخزون المياه الجوفية في الجنوب الشرقي من البلاد.
تؤكد تقارير عديدة، أن حفرة حوض بركاوي تشكل خطرا حقيقا على مدينة ورقلة ،والتي لا تبعد سوى بنحو 30 كيلومتر الى الغرب منها ،خاصة وأنه لا وجود لخطط حقيقة للتكفل بها من قبل السلطات ، ولا حتى الشركة المسؤولة عن حدوث كارثة بركاوي، وكان سكان عاصمة الواحات استفيضوا ذات صباح من شهر أكتوبر من العام 1986، على صوت أشبه بما يقع خلال الهزات الأرضية ،عندما حدث إنهيار كبير في طبقات الأرض، وأُرجع سبب ذلك لخلل عند حفر أحد الآبار البترولية يعود تاريخه إلى سنة 1978، وهكذا ظهرت خطورة تملح المياه الجوفية وتشكلت فجوة كبيرة مازالت أثارها باقية إلى يومنا هذا.
1986 .. سنة الانهيار الكبير
سبق الانهيار الكبير في العام 1986، التوقف عن حفر بئر استكشافي بترولي (OKN32) سنة 1986على عمق 2523 متر،قبل الوصول إلى مكان تواجد البترول على عمق 3550متر، وكان ذلك نتيجة عدم ثبات البئر على عمق 650 متر، وقامت الشركة الوطنية المسؤولة عن الحفر، بالتخلي عن البئر بدون تبطين الجزء الأسفل منه بالإسمنت الخاص بالآبار البترولية، وتم الشروع وقتها في حفر بئر آخر على بعد 80متر من البئر السابق وتم ذلك بنجاح ، حيث أنتجت كميات معتبرة من البترول، إلى غاية مارس 1981، حيث انكسرت أنابيب البئر على عمق 550متر، وكان ذلك في الطبقة التي يتواجد فيها الملح، حيث كشفت التحقيقات وعمليات عن تكون تجويف يصل بين البئر المستغلة والبئر التي تم سدها بالإسمنت. وفي أكتوبر 1986 تكونت حفرة قطرها 200متر، وعمقها 75 مترا وازدادت حجما فيما بعد حيث بلغ قطرها 300م، وهو ما أحدث "الانفجار الكبير. وفي ماي 1991، لوحظ تكوين شبكة من التشققات المركزية على بعد 600 متر من مركز الهوة، ووصل عرض التشققات إلى متر، فيما بلغ قطر الفجوة تحت الأرض 600متر أي ضعف ما هي عليها على السطح، ولا تستبعد بعض الدراسات أن يصل قطر الحفرة في الأسفل إلى أكثر من ذلك بكثير، خاصة في غياب أي مراقبة ودراسة علمية لحفرة بركاوي، كما حذرت ذات الدراسات التي تحوز الشروق عليها من غياب أي وسيلة للسيطرة على توسع التجويف الذي يتجه شرقا نحو مدينة ورقلة.
احتياطي البلاد من المياه الجوفية "على كف عفريت!"
كانت السلطات قد قامت باستشارة علماء في الهيدرولوجيا في عدد من أنحاء العالم، ولكن لم يتم اتخاذ أي من التوصيات التي شددت على التكفل بحفرة بركاوي بشكل جاد لأن خطرا حقيقا سيحل بمدينة ورقلة، والتي تتوسع غربا بإتجاه حقل بركاوي، لكن رغم ذلك لم يتغير شيء، بل على العكس زادت الوضعية تعقيدا فالدراسات الأخيرة كانت أكثر من مقلقة إذ زاد حجم الفجوة إلى، وتتوقع دراسات أن يصل قطرها إلى 700 متر، بعد أن قدرت زيادة قطر الفجوة، بنحو من عشرة أمتار سنويا، كما أن الشقوق المحيطة بالحفرة زاد اتساعها وقارب سمكها المترين.
كما حذرت ذات الدراسة، من وضع خطير يهدد المياه الجوفية في المنطقة،بتلوث المياه الجوفية، إذ أنه و حتى سنة 1993 كانت المخلفات النفطية والمياه تختلط ببعض البعض، وتتسرب إلى السطح بسرعة 2500 حتى 3000 م3/سا، هذه المياه التي تصعد بسرعة إلى السطح مرورا بالطبقة الملحية تؤدي إلى ذوبان الملح، إذ وصلت نسبته إلى 275 غرام لكل لتر، وهي مكافئة لملوحة البحر الميت، وقد لوحظ من خلال الدراسات أن هذا الماء المالح الذي وصل إلى الطبقة السطحية يتجه ببطء نحو الشرق، وهو ما يشكل خطرا ثانيا على صحة السكان والفلاحة ليس في منطقة ورقلة فقط، بل في الحوض الهيدروغرافي للجنوب الشرقي للبلاد والذي يصل الى سهل وادي ميزاب غربا، وحتى منطقة وادي سوف الى الشمال الشرقي وهي المنطقة التي أضحت خزانا حقيقيا للبلاد بحكم إنتاجها لنحو 15 بالمئة من الإنتاج الزراعي الوطني.
وكان رئيس قسم التنقيب في شركة سونلغاز يوسف حنفر قد أكد في ندوة صحفية عقدها قبل سنة ونصف بمدينة ورقلة، حول مخاطر الغاز الصخري وقتها قد رد عن سؤال حول وضعية حفرة بركاوي، برفضه وصف ما وقع بأنه "تهاون" في إجراءات الأمن و الحماية الصناعيتين، وأشار بأن سوناطراك أخذت القضية ومنذ وقوعها على محمل الجد، كما أضاف أن الشركة تحملت كل مسؤوليتها القانونية في الواقعة التي مازالت تسير الكثير من الحبر رغم مرور ثلاثين سنة من وقوعها .
30 سنة من الإهمال
من جهتها كشفت عديد الجمعيات المحلية المهتمة بالبيئة، في ولاية ورقلة ومناطق الجنوب الشرقي للبلاد عن تخوفها من هذا المشكل الذي يهدد الحياة العامة في المنطقة، والزراعة فيها، وانتقدت بشدة تعامل السلطات مع ما وقع في بركاوي منذ العام 1986 وقارنوا ما وقع لحفرة بن عكنون التي جرى التكفل بها في ظرف قياسي جدا، والإهمال و النسيان في موضوع حفرة بركاوي رغم الملايير التي تدرها المنطقة على الخزينة العمومية، وتداولت عديد الناشطين الجمعويين على صفحة التواصل الاجتماعي فايسبوك على غرار عضو لجنة الدفاع عن حقوق البطالين أيبك آق عبد المالك صورة تقارن بين حفرة بن عكنون وبركاوي وقارن تعامل السلطات في الموضوع. وطالب ذات المتحدث بتوضيح حقيقة وضعية حفرة بركاوي، كما استغرب من تجاهل السلطات لحفرة عمرها 30 سنة، والتكفل بحفرة بن عكنون في ظرف قياسي، ودعا مصالح سونطراك والشركات البترولية إلى تحمل مسؤوليتها في هذا المجال، مؤكدا أن المجتمع المدني في ورقلة سوف لن يسكت عن هذه الكارثة التي تهدد عاصمة أغنى ولاية في الجزائر.