استغل حزب نيكولا ساركوزي، زيارة كاتب الدولة الفرنسي لدى وزير الدفاع، المكلف بشؤون قضايا المحاربين، جون مارك توديتشني، للمشاركة في الذكرى السبعين لمجازر الثامن ماي 1945، بسطيف، ليحيي نقاشا بات من الماضي، وهو الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في الجزائر.
الأمين العام لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، لوران فوكيي، انتقد بشدة زيارة الوزير الفرنسي للجزائر، وما تبعها من اعتراف بـ "المآسي المتكبدة" بحق الضحايا الجزائريين الأبرياء بكل من سطيف وڤالمة وخراطة، فيما عرف بأحداث ماي 45، وإن كانت هذه العبارة قيلت أكثر من مرة في وقت سابق.
وقال لوران فوكيي لدى استضافته من قبل راديو وتلفزيون اللوكسمبورغ (آر تي آل) إن"فرنسا بحاجة إلى تسوية ملفاتها المتعلقة بالذاكرة مع الجزائر، ولكن بصراحة، أعتقد أننا نسير في اتجاه واحد"، وكان يلمح هنا إلى أن تلعب الجزائر دورا مماثلا لما قامت به باريس.
وأحيا الرجل الأول في الاتحاد من أجل حركة شعبية، الفائز في الانتخابات التشريعية والمحلية الشهر المنصرم، الجدل حول الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في الجزائر، الذي أدرج في مادة في قانون 23 فيفري 2005، قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، ليسقطها عبر المجلس الدستوري.
وذكر في رد على سؤال بهذا الخصوص: "نحن البلد الوحيد الذي أمضى وقتا طويلا في تقديم الاعتذارات عن تاريخنا (...)"، مشيرا إلى أن مواصلة باريس السير على هذا التوجه، من شأنه أن يمحي ما وصفها "الصفحات الناصعة والجميلة" من التاريخ الفرنسي، على حد تعبيره.
وتذهب المقاربة الفرنسية المدافعة عن الدور الإيجابي للاستعمار إلى القول بأن فرنسا تركت أمورا إيجابية بعد خروجها من الجزائر، من بنى تحتية (طرقات وجسور ومنشآت ومرافق..) غير أنها تتجاهل بالمقابل المجازر وحروب الإبادة التي سلطتها على الجزائريين طيلة ما يقارب القرن والنصف من الاستعمار.
أما الطرف الجزائري، فيعتبر الحقبة الاستعمارية مرحلة قاتمة من تاريخ الجزائر، بالنظر للكوارث الاجتماعية والاقتصادية والبشرية التي خلفها، وهو ما يتطلب اعتذار فرنسا للجزائريين، لا سيما وأنها اعتذرت عن ممارسات من هذا القبيل لدولة مثل مدغشقر، مثلما أُجبرت ألمانيا على الاعتذار لباريس عن جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية، وهو ما يجعل ترددها غير مبرر وغير مقنع من الناحية التاريخية، مثلما يحاول اليمين تصوير ذلك.
ولا يزال الجدل قائما بشأن العبارات التي استعملها المسؤولون الفرنسيون لحد الآن في التعاطي مع قضية الماضي الاستعماري لبلادهم في الجزائر وما إذا كانت اعتذارا، بداية بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي وصف الاستعمار في 2007 بـ "النظام الجائر"، إلى توديتشيني في 2015، مرورا بفرانسوا هولاند الذي وصفه بـ"الوحشي" في 2012، والسفير الأسبق هوفير دو فيرديار، الذي وصف مجزرة سطيف بـ"التراجيديا".
وعلى الرغم من تكرار هذه التصريحات، إلا أن أيا من المسؤولين الفرنسيين على اختلاف توجهاتهم من اليمين إلى اليسار، لم يتجرأ على قول كلمة "اعتذار"، حتى وإن أكد توديتشيني في حوار مع وكالة الصحافة الفرنسية، قبل يومين، أن فرنسا اعترفت على لسان رئيسها الحالي فرانسوا هولاند، في خطابه الشهير في 2012 .